المنهاج التربوي الكشفي ومكوناته



مما لا شك فيه أن الفهم الجيد للمنهاج سيساعد القادة على تنفيذ جيد للبرامج الكشفية، لكن هذا مشكل مؤرق للحركة ببلادنا وبأغلب البلدان العربية، ما يستدعي قيام بمراجعة للمنهاج وكيفية تفعيله على أرض الواقع، وبالخصوص خلال الدورات التدريبية، لينعكس أثاره على الممارسة الكشفية بالوحدات مع الفتية والشباب، وعليه أدعوكم للقيام بقراءة توضيحية مختصرة لكيفية تفعيل المنهاج التربوي الكشفي، لنضع اليد جميعا على الهفوات والأخطاء المرتبطة بطريقة التنفيذ .

ما هو المنهاج التربوي الكشفي ؟

المنهاج هو الذي ينظم خطة البرنامج الذي تسميه الحركة الكشفية بنظـام التقـدم، أو نظام الشارات (الكفاية والهواية) (1) النظام الذي يواكب خلاله الشاب أو الفتى مكونات الحياة الكشفية، يكون بمثابة محرك الفرد كي يصبح مشاركا بنفسه في بناء المعارف وتجريب الخبرة وترجمتها في اتجاهات إيجابية، وفق سياق المجالات المكونة لمضمون وشروط الحصول على شارات التقدم، مع تفعيل متواز مع كل مكونات الطريقة الكشفية. يمثل المنهاج الحد الأدنى الذي يجب أن يمارسه الكشافة بالبرنامج، عبر المراحل التي يضمن الممارسة المخططة، التي يمكن قياسها وتقويمها للمعارف والمهارات والاتجاهات المطلوب اكتسابها خلال فترة محددة من الوقت (2)، بدافع ذاتي من طرف الفرد.

دور قائد الوحدة في تفعيل المنهاج :

بكل بساطة المطلوب من قائد الوحدة (الكتيبة ...) توفير مناخ مثير وشيق يمكن الأفراد الأقران داخله من التكتل في مجموعة، أي خلق خلية (الطليعة) تتحرك بإرادتها وفق القواعد التربوية للكتيبة، وتتلخص هذه القواعد في إنشاء كيان المجموعة، تتفاعل وتتواصل بإحساس الانتماء، لتخلق مشاريعها الخاصة في سياق أنشطة هيكلة الكتيبة، وانطلاقا من الطليعة تنطلق حوافز الفرد للتنمية الذاتية، والتي تتم من خلال الرغبة في الحصول على الشارات والانتشاء والتباهي بها، والتي هي في الحقيقة دوافع تدريبية للتعلم، تدفع الفرد للحصول على المعارف وعلى الخبرات التي تمكنه من اجتياز متطلبات الحصول على الشارات، التي يتوج بها عند الحصول على خبرتها، وبهذا يكون ولوج الفرد في سياق تفاعله مع طليعته يدخل في وثيرة تدريبية متراكمة المعارف والخبرات. ويكون دور القائد مساعدا لوتيرة هذه الصيرورة المتنامية، التي تمكن من تنفيذ المنهاج التربوي الكشفي .
تصنيف المنهاج التربوي الكشفي :

وبهذا المعنى يدخل المنهاج الكشفي ضمن الطرائق النشيطة الفاعلة (Méthodes actives) الطرق البيداغوجية التي تجعل من الطفل صانع معرفته الخاصة، حيث يوضع في ظروف تسمح له باكتشاف المعرفة عوض فرضها عليه.
نورد تعريفين خاصين بالمنهاج في صورته النشيطة الفاعلة، المتماثلة إلى حد كبير مع المنهاج الكشفي، لتوضيح التماثل بين الأسلوبين في تحديد معالم البرنامج الكشفي الذي يمارسه الفتية والشباب على أرض الواقع:
 الأول: "الطريقة النشيطة هي التي تجعل المتعلم فاعلا إراديا ونشيطا وواعيا بتربيته الخاصة، حيث يصبح المتعلم مربيا لنفسه، وهذا ما يسعى إليه المنهاج الكشفي من خلال التنمية الذاتية للفرد كما أشرنا سابقا.

والمعايير التي تستند إليها الطرائق النشيطة هي :
1) النشـــاط : أي أن المتعلم يلاحظ ويلعب ويعالج بنفسه ويبتكر، وهذا هو المطلوب بالضبط تفعيله مع الأفراد المتواجدين بالطلائع، الانغماس في وتيرة الأنشطة الاختيارية، التي تشعره بالتحدي لاكتشاف ما يمتلكه حقيقة من القدرات التي يمكن تنميتها بالتدريب والبحث .
2) الحريـــة : يمتلك المتعلم حق المبادرة، فالفتية هم من يختارون ما يتناسب معهم من مهارات وخبرات التي تنمي حصيلة خبراتهم بكل حرية، مما تعطيهم حرية التجريب والاختيار، مما تزيد وتدعم الثقة بالذات.
3) التربية الذاتية: وتفيد النشاط الذاتي واتخاذ القرار الشخصي والاستقلالية، حيث يناقش هذه الاختيارات مع أفراد طليعته التي تحفزه وتساعده على التنمية الذاتية، والتي تبلور في هذا السياق كمكتسبات للفرد وفي نفس الوقت مكتسبات للطليعة، وهذا المنحى يقوي قدرات الفرد ويقوي ويدعم انتماءه، حينما يرى تفوقه ينعكس عليه وعلى الطليعة في نفس الوقت، وهذه من المميزات التي تتفرد بها الحركة الكشفية.

تعتمد هذه الطرائق" على المبادئ التالية :
1. تسعى على تكوين أطر متعودة على اقتراح أشكال جديدة من العمل والأنشطة مثل (خدمات، استقصاءات، عروض، مبادرات... ) يعدها ويقدمها الأفراد بأنفسهم، للدفع بهم إلى اكتساب رغبة البحث والتقصي على المعلومات وعلى الحقائق، من خلال التدريب على الممارسات العلمية المعتمدة على البرهان وعلى الدلائل العلمية.
2. تجعل الفرد صانعا لمعرفته، وذلك من خلال مشاركته وإطلاعه على الوثائق واستغلالها والعمل داخل الجماعة، وهذا ما يعطي لعملية الانتماء لجماعة الأقران فعاليتها، على اعتبار أنها بنية تربوية لتسهيل التعلم.
3. العمل داخل الجماعة، وهي عبارة عن مجتمع صغير قادر على تسيير نفسه بنفسه، وفق قوانينه ومعاييره الخاصة، والعيش بشكل تعاوني، وما يزيد فعالية هذه الاتجاه هو الإطار الرمزي المليء بالتقاليد والمهارات المميزة للحركة الكشفية.
4. إنشاء علاقات داخل الوسط الاجتماعي وخارجه، وذلك من خلال المشاركة في التجمعات واللقاءات واستمرار العلاقة عبر المراسلات بكل وسائلها ووسائطها الحديثة، ما يتيح للفرد ومجموعته من الانفتاح على الآخر بكل تجلياته الكونية، وعلى التجارب المختلفة التي تمكنه من الاكتشاف وعلى توسيع الآفاق.
5. تعلم التعلم، يجعل الفرد يشعر بالحاجة إلى معرفة العالم الذي يحيط به، من خلال البحث عن متطلبات الخبرة والمعارف التي يحصل بواسطنها على الشارات.

يتبين من خلال هذا التعريف مدى تماثل المنهاج التربوي الكشفي مع الطرائق الحية النشيطة الفاعلة، حينما يتفاعل المنهاج مع قدرات الفرد والدفع بها إلى الترقي المستمر والمتجدد، في وتيرة متسلسلة تراكمية.

مكونات المنهاج التربوي الكشفي :

في السابق كان التربويون والخبراء والمهتمين بالكشفية يعرفونه بالصيغة التالية : " المنهاج الكشفي هو ذلك الجزء من البرنامج الذي يطلق عليه اسم نظام التقدم أو نظام الشارات (الكفاية والهواية) وهو يمثل الحد الأدنى الذي يجب أن يمارسه أعضاء المراحل الكشفية بما يضمن الممارسة المخططة - التي يمكن قياسها- للمعارف والمهارات والاتجاهات المطلوب اكتسابها خلال فترة محددة من الوقت بالدافع الذاتي تحقيقا للهدف التربوي للحركة (3) . لكن ما يثير الانتباه في الممارسة المباشرة مع الفتية والشباب داخل الوحدات الكشفية، هو ضعف الفهم لطريقة تنفيذ المنهاج، ما يجعل القادة يتدخلون ببرامجهم الجماعية المكتفة ما يحد من حرية الطلائع والأفراد في عيش نظام الطلائع الذي يحفز على الترقي والتنمية التي ينشدها المنهاج.
أصبح الخبراء يعرفونه بأسلوب أكثر علمية ودقة كالتالي : "المنهاج الكشفي هو ذلك الأسلوب التربوي الذي يهدف إلى إعداد أفراد يتسمون بصفات معرفية ووجدانية ومهارية تؤهلهم لتحقيق نموهم الشامل جسميا وعقليا ووجدانيا وخلقيا وسلوكيا واجتماعيا، كما تؤهلهم للتحلي بالسلوك القويم الذي يمثل حصيلة عمليات التوجيه المؤدي إلى حسن تكيفهم مع البيئة والمجتمع الذي يمثل الإطار القيمي العام الذي تتضمنه ثقافة المجتمع مع مراعاة الخصائص السنية للمراحل الأربعة (أشبال-الكشاف-المتقدم-الجوالة) (4) .
و يمكن أن نضع تحديدا للمنهاج الكشفي من خلال مقارنته مع مكونات المنهاج في منظوره العام، عبر خطواته التالية (5) .
1. تخطيط مسبق لعملية التعلم، تتضمن الأهداف والمبادئ والمحتويات (متطلبات الحصول على الشارات) والأنشطة الوسائل والتقويم (التتويج بوضع الشارات المستحقة على الزي الكشفي خلال حفل بحضور مميز).
2. المفهوم الشامل الذي لا يقتصر على المحتوى فقط، بل ينطلق من الأهداف والمبادئ لتحديد الطريقة ومكونات البرنامج الكشفي.
3. بناء منطقي لعناصر المحتوى، الذي يتم على شكل وحدات، بحيث تتطلب عملية التحكم في وحدة معينة ضرورة التحكم في الوحدات السابقة، وفق تنظيم منطقي مترابط المكونات.
4. تنظيم العناصر والمكونات بشكل يمكن من بلوغ الغايات والمرامي من فعل التعلم.
ونستنتج أن المنهاج الكشفي يستمد وينبثق من المنهاج الحديث بمفهومه العام.

ويمكن أن نصنفه بأنه سلسلة من الوحدات موضوعة بكيفية تجعل تعلم كل وحدة تتم انطلاقا من فعل مندمج، شريطة أن يكون الفرد المستفيد قد تحكم في (القدرات) الكفايات الموصوفة في الوحدات (المجالات) المخصصة السابقة داخل المقطع.

يؤكد المنهاج الكشفي في بنائه أربع خطوات هامة، كما تؤكد الدراسات التربوية والسيكولوجية على نفس الخطوات التي ينبني عليها المنهاج في مفهومه العام، وهي كالآتي:
أولا :تحديد أهداف المنهـاج (توفير مستلزات وخبرات تنفيذ نظام الشارات)
ثانيا اختيار خبرات المنهاج (انتقاء الفرد المعارف والخبرات التي تتناسب مع مؤهلاته واختياراته وميوله) .
ثالثا: تنظيم خبرات المنهـاج (توزيعها إلزاميا على كفايات أساسية وعلى هوايات اخيارية) ما يتجاوب مع نظرية الذكاءات المتعددة.
رابعا: تقويم المنهـاج (وضع المعارف والخبرات التي حصل عليها المرشح لاجتياز الشارة على محك التقويم والتأكد من التمكن منها للتتويج بها ).

المراجع :
1) أسس وضع المناهج الكشفية ــ م.ك.ع ــ الأمانة العربية ــ نشرة البرامج ــ يناير 1993
2) فلسفة المنهج الكشفي
3) أسس وضع المناهج الكشفية –م.ك.ع- نشرة البرامج – يناير 1993
4) فلسفة المنهج الكشفي
5) معجم علوم التربية ــ سلسلة علوم التربية 9ـ 10

إرسال تعليق

أحدث أقدم